"هناك بشر في هذا العالم يتضورون جوعا. الرحمة لا تظهر لهم إلا على شكل قطعة خبز"
مهاتما غاندي الزعيم الهندي الراحل
لا تتوقف المعلومات المفجعة الخاصة بهدر الغذاء على المستوى العالمي دائما هناك إحصائيات جديدة مرعبة، وأرقام مخيفة، وحقائق صادمة، حتى لدى أولئك الذين ينتمون إلى شريحة المتابعين والمهتمين بمثل هذه القضايا. لقد أضحى هدر الطعام نفسه اقتصادا تذهب عوائده إلى المزابل، لاسيما أن الهدر يشمل كل بلدان العالم دون استثناء، بما فيها تلك التي وصلت إلى مراحل متقدمة من "الرشد"، وتتمتع بمجتمعات أكثر وعيا من مثيلاتها في مناطق أخرى. ولذلك، يمكننا القول إن هدر الغذاء يكتسب صفات العولمة من جهتها السلبية ومن المفجع حقا أن البلدان التي ارتقت في مجال الحفاظ على الغذاء، لا تزال دون المستوى الذي يضعها في قائمة "غير الهادرين" علما بأن هذه القائمة لا تزال خاوية من أي دولة.
المنظمات الدولية والمختصة، بما فيها تلك التي تنتمي إلى شرائح الكيانات غير الربحية، فشلت تماما في جعل الأمور تتحسن، على الرغم من كل ما تبذله من جهود وتنفقه من أموال على جعل هذه القضية ماثلة على الساحة دائما فهي تعلم (كما العالم أجمع)، أن هدر الغذاء، لا يسبب خسائر مالية لمن يهدرونه فحسب، بل يعتدي على حق أمم تحتاج إلى الغذاء حقا ولذلك يمكن أن نفهم أهمية وعمق ما قاله بابا الفاتيكان فرانسيس يوما "عندما تهدر الطعام، كأنك تسرق من الفقراء". صحيح أنك تشتري هذا الغذاء من مالك الخاص، لكن الصحيح أيضا أنك تهدره بصورة يمكن أن يستفيد منها محروم هنا وجائع هناك، والحق، أنه حتى في البلدان المتقدمة تزداد شرائح الذين يستفيدون مما يعرف بـ "بنوك الطعام"، خصوصا في أعقاب الأزمات الاقتصادية التي شهدتها -ولا تزال- هذه البلدان دون أن ننسى، المعونات الحكومية الغذائية التي توفر لهذه الشريحة المتعاظمة.
بعد المنظمات التابعة للأمم المتحدة، لاسيما منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وبعد عدد كبير من المنظمات الخيرية الأخرى، تؤكد مجموعة بحثية تابعة للجنة العالمية للاقتصاد والمناخ التي يرأسها الرئيس المكسيكي الأسبق فيليب كالديرون، أن تقليص مستويات هدر الغذاء من جانب المستهلكين، قد يوفر للاقتصاد العالمي ما يصل إلى 300 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030 وتقول المجموعة نفسها، إن قيمة الهدر الغذائي على مستوى العالم تبلغ 400 مليار سنويا، وإن هذا الرقم قد يقفز إلى 600 مليار دولار في الأعوام العشر المقبلة ومن النتائج الصادمة بالفعل، أن خفض حجم الأغذية التي يتخلص منها المستهلكون ما بين 20 و50 في المائة، قد يوفر ما بين 120 و300 مليار دولار بحلول العقد الثالث من القرن الجاري. أمام هذه الحقائق، تفيد الإحصائيات الدولية، أن أكثر من 805 ملايين نسمة يذهبون إلى النوم كل يوم وهم جوعى!
ومن ضمن المشكلات التي تعج بها هذه القضية، عدم الوصول إلى استراتيجية (وليس نشاطات تقوم بها جماعات ومؤسسات خيرية) ضمن البلدان المتقدمة، لأن هذه الأخيرة تتمتع بالفعل بكل المقومات اللازمة لوضع الاستراتيجية وتنفيذها بصورة عالية الجودة، وطبقا للمفوضية الأوروبية، فإن ما يزيد على 100 مليون طن من الطعام تم هدره في العام الماضي فقط، وتعتقد المفوضية أن هذا الحجم الهائل من الطعام المهدر سيصل إلى 126 مليون طن سنويا بحلول عام 2020! وعلى الرغم من ذلك، لا توجد سياسة أوروبية ناجعة للحد من الهدر، سواء عن طريق التشجيع أو التنظيم الشامل، أو من خلال غرامات أو رسوم أو ما شابه ذلك فالبلدان الأوروبية تعج بالرسوم من كل الأنواع، بما فيها تلك التي تعتبر رسوما غريبة في بلدان العالم الأخرى.
تقدم وكالات الأمم المتحدة والجمعيات غير الربحية في العالم كثيرا من النصائح والإرشادات لتقليل هدر الطعام وهي مفيدة للغاية، وتؤدي حتما لخفض الهدر وتوفير المال الناجم عن الهدر المشار إليه وأقامت هذه الوكالات بوابات إلكترونية بهذا الخصوص، لكن (مرة أخرى) لم يتضح بعد مدى فاعليتها وإذا ما استندنا إلى الحقائق والأرقام التي تظهر دائما فإننا نخلص إلى نتيجة أن هذه البوابات لم تثبت فاعليتها بعد ويبدو واضحا، أن الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك على المدى البعيد، خصوصا في ظل تزايد كبير لمنسوب الهدر الغذائي وإذا كانت نسبة الذين يعيشون في البلدان الصناعية القادرة على الوصول إلى الإنترنت عالية جدا مقارنة ببقية بلدان العالم، تكفي الإشارة هنا، إلى أن الأمم المتحدة قدرت هدر الطعام في البلدان الصناعية بنسبة 40 في المائة !
ستظهر كثير من الأرقام الصادمة في هذا الصدد في المستقبل ولن تتوقف وبالنظر إلى الحراك العام، فإن العالم سيظل يراجع هذه الأرقام ويعبر عن صدمته، ليستكمل بعدها سلوكياته في التعاطي مع الغذاء الذي ينفق عليه ويستهلكه. إن الأمر بات (منذ زمن بعيد) خطيرا حيث تجاوز مرحلة الإرشادات والنصائح، ويتطلب خطوات وقرارات فاعلة، وآليات تنفيذ توازيه فاعلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق