تعد تركيا من أهم
نقاط انطلاق اللاجئين نحو أوروبا، ففي كل يوم يغامر آلاف السوريين بركوب زوارق مطاطية
للوصول إلى الجزر اليونانية ليمضوا في طريقهم عبر دول البلقان إلى هنغاريا أو كرواتيا
بهدف الوصول إلى شمال أوروبا وبخاصة ألمانيا التي قدمت تسهيلات كبيرة للاجئين السوريين.
ويواجه الطرفان مشكلة
مشتركة صعبة، فتركيا تستضيف نحو مليوني سوري منهم قرابة ربع مليون يعيشون في مخيمات
تشرف عليها الحكومة وتنفق على إدارتها من ميزانيتها. وفي المقابل، فإن القارة العجوز
تخشى من تغيير ديمغرافي كبير بسبب موجة اللجوء الحالية، وتبدي بعض الدول تحفظات على
ديانة معظم طالبي اللجوء وتعتبره تهديدا لوجه أوروبا المسيحي. وترفض بعض الدول استقبال
اللاجئين لعوامل اقتصادية. ويرى مراقبون أن إيجاد حل لأزمة اللاجئين يكمن أولاً في
معرفة الأسباب الحقيقية ومعالجتها. وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين،
فإن أكثر من أربعة ملايين سوري سجلوا لديها في بلدان الجوار منذ اندلاع الأزمة السورية
في مارس/آذار 2011. وفي المقابل فإن نحو 430 ألف سوري قدموا طلبات لجوء إلى أوروبا
في الفترة ذاتها.
وتختلف موجة هجرة
السوريين الحالية كثيرا عن سابقاتها، فمعظم السوريين اختاروا النزوح الداخلي أو قصدوا
دول الجوار منذ الأشهر الأولى للأزمة على أمل العودة قريبا حال استقرار الأوضاع. لكن
من لجأوا إلى بلدان الجوار واجهوا مشكلات كبيرة في تأمين المأوى والطعام لهم ولأفراد
عائلاتهم، وعانوا في بيئة مغايرة يحرمون فيها من العمل في شكل رسمي، ويتعرضون لاستغلال
أرباب العمل رغم اضطرارهم إلى القبول أجور زهيدة.
وحسب تقارير دولية،
فإن معظم اللاجئين في بلدان الجوار يعيشون بأقل من نصف دولار يوميا للشخص الواحد. وتزداد
معاناة اللاجئين بقوانين بعض الدول التي تمنع تشغيل السوريين، وأخرى ترى فيهم كتلة
تغير الواقع الديمغرافي وطبيعة البلاد.
وما زاد الطين بلة،
تراجع حجم المعونات الدولية للاجئين والدول المضيفة وبقاء الدعم مجرد وعود في المؤتمرات.
وحسب تقارير دولية، فإن برامج المساعدة للاجئين والمجتمعات المضيفة في المنطقة يواجه
عجزا دائما في التمويل.
وتعاني خطة العام
الحالي من عجز يصل إلى 59 في المئة الأمر الذي تسبب في خفض المساعدات الغذائية لعشرات
الألوف وحرمان عدد مماثل من الدعم النقدي. وفي السنتين الأخيرتين مات المئات بسبب الظروف
المناخية الصعبة، ففي الشتاء غطى الثلج معظم المخيمات وبيوت الصفيح أو الخيام في بلدان
الجوار مع عدم وجود الوقود اللازم للتدفئة، وتحولت أرض بعض المخيمات إلى مستنقعات مائية،
ومجرى للسيول.
ولم يكن الصيف أفضل
حالا مع الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة وهبوب العواصف الرملية التي سببت حالات
اختناق كثيرة.
شظف العيش دفع هؤلاء
إلى البحث عن أماكن استقرار بعيدا عن الوطن لتأمين الدراسة والطبابة لأبنائهم خاصة
مع تآكل كل المدخرات السابقة نتيجة طول أمد الأزمة. ويضاف عامل مهم آخر وهو أجواء عدم
الاستقرار في بلدان الجوار فمعظم من غادر تركيا في العام الأخير أشار إلى الخوف من
تغير النظام السياسي، والاضطرابات الداخلية مع حزب العمال الكردستاني.
وفي الداخل السوري،
ولد فقدان الأمل بحل سياسي للأزمة وعدم قدرة البنية التحتية في سوريا للتعامل مع أعداد
النازحين الداخليين الذين تجاوز عددهم ثمانية ملايين، وتوقف الدورة الاقتصادية في معظم
المناطق بسبب استمرار القتال وغياب الامن، ضغوطا إضافية على المواطنين، ودفع كثيرا
منهم إلى الهرب بعد سنوات من الصمود والصبر بانتظار حل الأزمة وعودة الاستقرار.
وقف الحرب هو الحل
وبلغة الأرقام، فإن
أوروبا لا تستقبل أكثر من عشرة في المئة من عدد اللاجئين السوريين، وتستقبل دول ضعيفة
الموارد كلبنان والأردن أضعاف هذا العدد. ولكن أوروبا تجد نفسها أمام مأزق أخلاقي في
حال رفضت استقبال السوريين وإيجاد ملجأ آمن لهم، ولكنها في المقابل تعاني من آثار أزمة
اقتصادية عميقة، وترزح تحت ضغوط اليمين المتطرف الكاره للأجانب والإسلامافوبيا لدى
بعض النخب.
وشهدت الأشهر الأخيرة
اهتماما زائدا بقضية اللاجئين السوريين بعدما ازداد عدد قاصدي أوروبا. وتحرك العالم،
وبدأت التقارير الدولية تتحدث عن نحو نصف مليون ممن خاضوا غمار البحر بزوارق مطاطية
أو قوارب صيد تحولت إلى قوارب موت.
ويزداد الاهتمام
حينا، ويخفت أحيانا في تعامل العالم مع أكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية.
ففي بداية الشهر الماضي خطفت صورة الطفل السوري إيلان الكردي الأضواء وتصدرت الصفحة
الأولى في كبريات الصحف العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي. وواكبت معظم القنوات والصحف
مسيرة السوريين في "درب آلامهم" أثناء ركوبهم البحر في مغامرة لا يعرف عقباها
وانتهت بتحول الطريق إلى "جنة أوروبا" إلى مقبرة للطامحين إلى الهروب بعائلاتهم
من جحيم الحرب.
فالحل يكمن في دراسة
الأسباب واستخلاص العبر، فالهاربون من الموت لن يتوقفوا عن ركوب البحر واجتياز الجدران
والمراقبة على الحدود للهروب من جحيم الحروب، وأي اجراءات أمنية سترفع كلفة الوصول
إلى ضفة المتوسط الشمالية لتنتفخ جيوب المهربين، وتعرض اللاجئين إلى مزيد من المخاطر.
ولاشك أن أي حل لأزمة
اللجوء يبدأ من كلمة مفتاحية وهي وقف الحرب في سوريا، والوصول إلى حل سياسي يضمن عودة
الأمن والاستقرار، ما يجعل السوريين أكثر ثقة بغدهم ومستقبل أولادهم.
تشارك الموارد في
العالم
يجيد الكثيرين فن
الهروب من المحور الأساسي لقضية اللاجئين، لأنّ هذه المشكلة نتيجة "مشاركة الموارد"
في هذا النظام العالمي الاستغلالي، ولذلك كان علينا مناقشة موضوع اللاجئين ليس من خلال
البعد القانوني، والأمني، أو بأنها موجات من الهجرة، لأنها مشكلة أعمق، وأعقد، ومشكلة
جيوسياسية.
لا يريد العالم إدراك
حقيقة أنّ اللاجئين الهاربين قادمون من أفقر الدول وأكثرها مشاكل، فمن الطبيعي جدا
أن يسعى الذين يعيشون مشاكل صحية وتعليمية وأمنية وسكنية إلى إيجاد ظروف ملائمة أكثر
لتجاوز هذه المشاكل التي تعصف بهم.
المشكلة في تشارك
الموارد، وليست بتشارك التكاليف
يسعى اللاجئون على
حدود تركيا وإيطاليا وبلغاريا وسلوفينيا والدنمارك واليونان، إلى البقاء على قيد الحياة،
بينما يناقش الأوروبيون المصطلح الأفضل لكي يطلقوه عليهم، لكن على تركيا أن تتعامل
مع قضية اللاجئين بصورة أعمق من ذلك، فمثلا، دخل أغنى 3 دول في العالم، يفوق دخل أكثر
من 100 دولة أخرى، فهذا الموضوع هو الأساس، وليس الأهم تشارك تكاليف مصاريف اللاجئين.
إذا فقدنا القدرة
على نقاش أساس المشكلة، لن تستطيع إيجاد حلها، فلماذا لا نستطيع مناقشة سياسة أوروبا
وروسيا وأمريكيا المنفعية والتي تضطهد من خلالها بقية شعوب العالم؟ لماذا يعتقد هؤلاء
أنّ لهم الحق في التدخل في شؤون دول تبعد عنهم آلاف الكيلومترات في آسيا وأفريقيا وغيرها
من الدول؟
هل أصبحنا نرى اليوم
قصف الطائرات الفرنسية في ليبيا، وقصف الطائرات الأمريكية والبريطانية في العراق، واليوم،
قصف الطائرات الروسية في سوريا، هل أصبحنا نرى هذا أمرا طبيعيا؟ هذا القصف قد مزق ليبيا
والعراق وسوريا، ومن هناك انطلق تدفق ملايين اللاجئين من هذه الدول إلى أوروبا.
لماذا لا نستطيع
مناقشة ذلك؟ أصبحنا اليوم نرى هذه الأمور طبيعية، لدرجة أننا لم نعد نستطيع رؤيتها
على أنها أعمال تهدف إلى تحقيق مصالح تلك الدول الغازية، ألا تعلمون لماذا يذهب اللاجئون
إلى أوروبا؟ لكي يستعيدوا حقوقهم، لكي يستعيدوا الخبز الذي سُرق منهم، يذهبون هناك
ليستعيدوا حقوقهم المغتصبة، المستعمرة، والمسروقة.
الغرب أسس حضارته
ومدنيته على حساب فقر إفريقيا والشرق الأوسط، سرقوا طعامنا وخيراتنا المباركة من أجل
بناء حضارتهم، ولهذا يركض اللاجئون إلى البلدان التي سرقت منهم خيراتهم، كي يستعيدونها،
لتأمين حياتهم، وحياة أطفالهم
يريدون الآن أن يجعلوا
تركيا "حاجزا" لهم أمام تدفق اللاجئين إليهم، ويقولون ليبقى اللاجئون في
تركيا، وسنتابع أمورهم واحتياجاتهم هناك، وسنقوم بتحمل التكاليف والمصاريف المترتبة
على ذلك، وهذا ما يطلق عليه "مطلب لا أخلاقي".لا يمكن السكوت على أصل المشكلة،
لا يمكن السكوت على الظلم العالمي، ألا تعلمون أنّ أكثر 5 دول تبيع السلاح في العالم،
هي تلك الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن؟ يجب أن نعمل على الوقوف في وجه الظلم،
ونزيله من جذوره، بدلا من تغطيته وستره بأمور أخرى. لا يمكن حل مشكلة اللاجئين دون
حل مشكلة توزيع موارد العالم، ولذلك علينا نقاش مشكلة اللاجئين من هذا البعد، فمشكلة
اللاجئين ليست مشكلة سكن وأمن وتكاليف ومصاريف، وإنما هي مشكلة اغتصاب حقوقهم، وسرقة
غذائهم ومواردهم، والتحكم بمستقبل أطفالهم، وما دامت الدول تمد يدها على دول تبعد عنها
آلاف الكيلومترات من أجل سرقة خيراتها، فلن تحل مشكلة اللاجئين، ولذلك علينا أن نعمل
جاهدين للثورة ضد هذا الظلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق