الثلاثاء، 10 مايو 2016

«السياسة مصدر القوة»

Image result for politics
العنف بمختلف أشكاله يُعتبر مقياساً للفشل السياسي، وهذا ينطبق على الوضع العالمي أو الإقليمي أو المحلي. فالحربان العالميتان الأولى والثانية اندلعتا كتعبير مباشر عن فشل اللاعبين السياسيين على المستوى الدولي آنذاك. ومثل هذا الحديث ليس جديداً، ولكننا نغفل مثل هذه البديهيات عندما نتعامل مع الوضع المحلي. فالعنف بكل تجلياته، وسواء كان وسيلة لمعارضين أم لجهات رسمية إنما يتحدث عن فشل أو عجز في السياسة.
إن البعض يؤمن بـ «القوة» طريقاً مفضلاً لتحقيق المصالح التي يسعى اليها، ويركز على امتلاك القوة من خلال السيطرة على الموارد، وإظهار هذه القوة المختزنة عبر ضربات وقائية، أو ترعيب، أو تحشيد، أو فرض العقوبات الانتقائية، أو إحداث الصدمة لدى الآخرين. ويعتقد انه من من خلال ذلك يمكن إنفاذ ما يراه مناسباً من خطط وبرامج، ويؤمن بأن هذه «القوة» تنتج العملية السياسية المطلوبة بحسب تفصيل محدد مسبقاً. أصحاب هذا الرأي يؤمنون بأن «القوة مصدر السياسة».
هناك مدرسة أخرى ترى أن السياسة تعبير عن طبيعة العلاقات بين الناس والأطراف المعنية... ولأن الناس يختلفون فيما بينهم في الطباع والأفكار والأهداف، فإن المنطلق الأساس هو الإيمان بـ «حق الاختلاف»، وإن «الجميع متساوون في القيمة الإنسانية». وترتبط بهذا المنطلق فكرة تقول بأن الإنسان لا ينمو إلا إذا توافر استقرار وأمن وسلم، وعليه، ومن أجل أن يجتمع «الاختلاف» مع «السلم»، فإن الإنسان يحتاج إلى «السياسة». ومن هنا يمكن فهم مقولة إن «العنف قياس للعجز السياسي»، فالسياسة الجيدة لا تفسح المجال لاستخدام العنف أو القوة المفرطة، وأصحاب هذا الرأي يرون أن «السياسة مصدر القوة».
إن المجتمعات التي يسود فيها القمع (عبر العنف أو الاستخدام المفرط للقوة)، يختفي فيها الرأي الآخر، ولذا فهي مجتمعات تضيع بسرعة، أو لا تتقدم كما ينبغي؛ لأن الرأي الواحد يعني عدم وجود آليات لتقويم القرارات، ويعني عدم فسح المجال لـ «السياسة» للانطلاق بالعلاقات بين الناس نحو آفاق حضارية رحبة. إن استخدام العنف، أو القوة المفرطة، في مجتمع ما، يعني أن «السياسة» قد ماتت، أو أنها تحتضر، و «القوة» - مهما كان مستواها - فإنها تضعف مع الزمن ولا تتجدد إذا اختفت السياسة.
إن الحياة الإنسانية من دون سياسة لا تختلف كثيراً عن الحياة في الغابة، ولذلك فإن المجتمعات تبحث عن أي فرصة لتنشيط العملية السياسية في أوساطها، وتتنازل فيما بينها، وتتسامح، وتنظر إلى بعضها البعض بصورة مختلفة على أساس أن الجميع ينتصر مع السياسة الجيدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق