الأحد، 15 مايو 2016

العالم يهدر طعامه



 رغم أن عدد البشر ارتفع من 300 مليون نسمة (زمن المسيح عليه السلام) إلى سبعة بلايين إنسان هذه الأيام، نتمتع اليوم برفاهية عيش وتخمة إنتاج لم يشهدها أي إنسان في التاريخ.. أصبح من الصعب (هذه الأيام) تصور حدوث مجاعات تبيد القرى والبلدات كما كان يحدث في العصور القديمة، وأصبحت التخمة والبدانة (لا الفقر والمجاعة) هي المشكلة الغالبة هذه الأيام في معظم الدول.
صحيح أن عالم اليوم مايزال يتضمن جياعاً وفقراء لا يجدون قوت يومهم؛ ولكن نسبتهم القليلة يمكن حلها في حال تخلص بقية البشر من هوايتهم الجديدة (رمي ثلث أطعمتهم في الزبالة).
فحسب وزراء الزراعة في مجموعة العشرين (التي عقدت اجتماعها في اسطنبول في مايو المنصرم) هناك 800 مليون جائع حول العالم مقابل 30% نسبة الطعام المهدر في الدول الثرية.. وهذا يعني أن الطعام المهدر عالمياً يكفي جياع العالم أكثر من مرتين ونصف بدون حتى الاستقطاع من محاصيل المواشي.
ويحصل الهدر غالباً إما لسوء التخزين والنقل (في الدول الفقيرة) أو بسبب الرفاهية ورغد العيش (في الدول الغنية) أو بسبب الإسراف وسوء التقدير (في الدول العربية غالباً).. وفي الإجمال يشكل الطعام المهدر قدراً كبيراً من النفايات الصلبة في جميع المجتمعات (وإن تفاوتت النسب) الأمر الذي يؤكد نوعاً من عدم الوعي وسوء التوزيع.
ورغم أن أميركا وأوروبا تنتجان ثلاثة أضعاف حاجتهما من الطعام إلا أن ثلثه يهدر خلال عمليات التحضير بين المزرعة والطبق، والثلث الباقي يحول لإطعام المواشي المنتجة للحوم.. ويقدر أن مابين 20% إلى40% من الفواكه في أوروبا وأميركا تُرفض حتى قبل دخولها المتاجر كونها لا تتطابق من حيث الحجم واللون والمظهر مع شروطها الخاصة بإغراء الزبائن (فالطماطم مثلاً يجب أن تتمتع بلون أحمر داكن وأن لا تقل عن حجم معين وأن تملك ورقتين خضراوين في رأسها).. أما في البحر فيتم التخلص من40 إلى 60% من الأسماك التي يتم اصطيادها إما لأنها غير مناسبة في نوعها أو حجمها أو حاجة السوق لها الأمر الذي تسبب جدياً في إفراغ بعض البحار من كائناتها.
والمحزن أكثر أن الطعام المهدر يتسبب في هدر موارد مهمة أخرى.. فالطعام المهدر مثلاً يتسبب في هدر كميات كبيرة من المياه (المستعملة في زراعته) ويمكنها تلبية احتياجات 9 بلايين إنسان.. وما يتم إطعامه لكل بقرة في العام يمكنه إطعام 300 إنسان. وكل سعر حراري يتم إهداره (من الطعام) يكون هناك سبع سعرات حرارية استهلكت لإنتاجه.. كما يمثل الطعام المهدر هدراً في إنتاج الطاقة والجهد والمال واستغلال موارد الأرض (فربع الرغيف الذي ترميه بلا تردد يتطلب سقيا القمح بالماء، وجهد المزارعين في الحقل، ودفع أجور عمال النقل والتخزين والطحن والخبز حتى يصل لمائدتك).
واليوم ظهر في الدول المتقدمة نوع من الوعي بهذه المشكلة فسنت قوانين تمنع المطاعم من رمي أكثر من نسبة معينة من الأكل، وفرضت غرامات على المنازل التي يزيد فائض نفاياتها عن حد معين، وأقرت ضرائب على اللحوم والأطعمة المنتقاة بعناية، وتحاول تشجيع الناس على شراء الأنواع الأقل جودة ومظهراً من بقية الخضروات والفواكه.
ومن خلال تتبع أرقام النمو الاقتصادي (لدى جميع الشعوب) يتضح أن الإسراف يترافق دائماً مع رفاهية العيش وارتفاع الدخل (الذي يترافق بدوره مع استهلاك اللحوم التي تستهلك قدراً أكبر من الماء والمحاصيل).. وعلى الطرف الآخر تعاني المجتمعات الفقيرة من ذات المشكلة ولكن بسبب عدم الكفاءة في استخلاص ونقل وتبريد وتخزين الطعام ذاته.
وفي ظل نمونا المتزايد، وإسرافنا الدائم، بدأت أتساءل عن تاريخ وصول الأرض لسن التقاعد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق