إن الأمة الإسلامية تعيش في معاناة من الشرق إلى الغرب، ففي بعض الأماكن تعيش تحت الاحتلال وفي أماكن أخرى تعيش الحروب، وفي أماكن أخرى تعيش في ظل الفساد، وفي أماكن أخرى تتعرض للنهب... فجميعها تحت الظلم والقهر والمعاناة. إلا أن الأمة الإسلامية هي خير أمة أخرجت للناس بعقيدتها الصحيحة ونظام حياتها الشامل، وموقعها الاستراتيجي، وثرواتها الهائلة، وإمكاناتها البشرية العظيمة الهائلة. حيث إن العقيدة الإسلامية هي العقيدة الصحيحة الوحيدة لاستنادها إلى أدلة قطعية وإقناعها للعقل، فيطمئن القلب بها، وهي موافقة لفطرة الإنسان. فالأمة التي تؤمن بعقيدة كهذه تصبح قوية بربها وعزيزة بدينها، فلطالما لم تبتعد عن الله وعن دينه فلن يلحق بها الضعف ولن تسقط في المهانة والذل. فالإسلام باعتباره مبدأ سياسياً يعد نظام حياة شاملاً ويقدم أحكاماً وحلولاً تتعلق بجميع مجالات الحياة. فبما أن دين الله تعالى هو دين كامل فإن الأمة ليست بحاجة إلى أي دين أو مبدأ أو نظام أو أنظمة أو أحكام غير الإسلام. لأن أحكام الإسلام حية ومتيقظة تحل مشاكل الناس وتسير حياتهم بشكل ممتاز وتناسب كل مكان وزمان. كما أن الأمة الإسلامية تعيش في قلب الكرة الأرضية، وقسم كبير من المناطق الاستراتيجية يقع ضمن الأراضي الإسلامية، وتوجد في أراضيها أهم الخلجان والممرات. وإن أكبر احتياطيات العالم من النفط والغاز والمناجم والموارد المائية والأراضي الخصبة وأغنى الثروات تقع على الأراضي الإسلامية، وهي ملك المسلمين. والمسلمون الذين يشكلون شريحة تبلغ 1.6 مليار نسمة من سكان العالم، بالإضافة إلى نسبتهم المرتفعة فإن هذه النسبة ذات غالبية ديناميكية ومن صغار السن. علاوة على ذلك، فإن الأمة الإسلامية وتاريخها وحضارتها وثقافتها وعلمها وفنها ومساهمتها في التكنولوجيا، قد احتلت مكانة جليلة في تاريخ الإنسانية بالهداية والنور الذي حملته إلى أركان العالم الأربعة.
إذن فكيف لأمة قوية ومتينة وغنية ونابضة بالحياة كهذه أن تتعرض حاليا للاحتلال والمذابح والحروب والفقر والبؤس وجميع أنواع الظلم؟ وهل يوجد أمة أخرى في العالم تعيش في الوضع نفسه؟ فإن جميع الأمم ذات إمكانات القوة المماثلة أصبحت اليوم كيانات كبيرة وقوية. مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، وجمهورية الصين الشعبية. فهم تمكنوا من الارتقاء إلى مكانتهم العالية حاليا بفضل تجميع قواهم. لذلك فإن المشكلة الأساسية للأمة الإسلامية ومسألة الحياة أو الموت بالنسبة لها هي كونها محرومة من القيادة السياسية التي تحمل الإسلام للعالم أجمع، فيتوحد تحت قيادتها جميع المسلمين، وتتجمع على يدها جميع مصادر القوة هذه، وتلك السلطة هي الدولة الإسلامية. وشكل الحكم في الإسلام هو الخلافة. السبب الرئيسي وراء محو الخلافة من العالم واستباحة الأمة الإسلامية وسقوطها اليوم في الذل. بينما كانت هذه الأمة سيدة على العالم تحت قيادة خليفة واحد، وتحت راية واحدة، وفي ظل دولة واحدة. حيث كانت الدولة الأولى في العالم دون منازع لمئات السنوات. وكان يتم إدارة ملايين الكيلومترات المربعة من الأراضي الإسلامية من قبل خليفة واحد ومن مركز واحد.
لذلك فإن الكفار الذين انتبهوا إلى هذه الحقيقة كانوا يعلمون جيدا أنهم لن يرتاحوا ولن يتمكنوا من السيطرة على العالم ولن يتمكنوا من نهب شعوب العالم دون هدم الخلافة. فكانوا يعيشون الخوف من الخلافة التي تجعل المسلمين كافة كتلة واحدة . فهؤلاء الكفار الذين كانوا يخشون الخلافة بالأمس، يخافون اليوم من احتمالية إعادتها، ويهاجمون المسلمين في كافة أنحاء العالم من سوريا وحتى أفريقيا الوسطى، ومن أمريكا وحتى القرم، ومن تتارستان حتى فلسطين.
مما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى سيحقق وعده، ويؤكد بشرى رسوله صلى الله عليه وسلم، ففي ذلك الحين لن تنفعهم جميع هذه الحروب، والاحتلالات، والهجمات والتحفظات. حيث إن أول بشرى هي بإعادة إقامة الخلافة من جديد: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، ففي ذلك اليوم سيموت الكفار رعبا. أما البشرى الثانية وهي فتح روما، والذي سيُعدُّ رمزا لخروج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام.
ألا يكفي المؤمنين قوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق